فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {كمثل حبة} شبه سبحانه الصدقة التي تنفق في سبيله بحبة زرعت وباركها المولى، فأصبحت سبعمائة حبة، ففيه تشبيه مرسل مجمل لذكر أداة التشبيه وحذف وجه الشبه، قال أبو حيان: وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر.
2- {أنبتت سبع سنابل} إسناد الإنبات إلى الحبة إسناد مجازي، ويسمى «المجاز العقلي» لأن المنبت في الحقيقة هو الله تعالى لا الحبة، ولا الأرض.
3- {منا ولا أذى} من باب ذكر العام بعد الخاص، لإفادة الشمول لأن الأذى يشمل المن.
4- {كمثل صفوان عليه تراب} فيه تشبيه يسمى تشبيها تمثيليا لأن وجه الشبه منتزع من متعدد، وكذلك يوجد تشبيه تمثيلي في قوله: {كمثل جنة بربوة}.
5- {أيود أحدكم أن تكون له جنة} الآية، لم يذكر المشبه ولا أداة التشبيه وهذا النوع يسميه علماء البلاغة استعارة تمثيلية وهي تشبيه حال بحال لم يذكر فيه سوى المشبه به فقط، وقامت قرائن تدل على إرادة التشبيه، والهمزة للاستفهام والمعنى على التبعيد والنفي أي ما يود أحد ذلك.
6- {تغمضوا فيه} المراد به هنا التجاوز والمساهلة، لأن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينيه لئلا يرى ذلك، ففي الكلام استعارة لطيفة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} في مفعول {أَنْفِقُوا} قولان:
أحدهما: أنه المجرور ب {مِنْ}، و{مِنْ} للتبعيض، أي: أنفقوا بعض ما رزقناكم.
والثاني: أنه محذوفٌ قامت صفته مقامه، أي: شيئًا ممَّا رزقناكم، وتقدَّم له نظائر.
وما يجوز أن تكون موصولةً اسمية، والعائد محذوفٌ؛ لاستكمال الشروط، أي: كسبتموه، وأن تكون مصدريةً أي: من طيِّبات كسبكم، وحينئذٍ لابد من تأويل هذا المصدر باسم المفعول، أي: مكسوبكم، ولهذا كان الوجه الأول أولى.
و{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا} عطفٌ على المجرور بمِنْ بإعادة الجار، لأحد معنيين: إمَّا التأكيد، وإمَّا للدلالة على عاملٍ آخر مقدرٍ، أي: وأنفقوا ممَّا أخرجنا. ولابد من حذف مضافٍ، أي: ومن طيبات ما أخرجنا. و{لكم} متعلِّقٌ ب {أخرجنا}، واللام للتعليل. و{مِنَ الأرض} متعلِّقٌ ب {أخرجنا}، و{مِنْ} لابتداء الغاية.
قوله: {مِنْهُ تُنْفِقُونَ} {منه} متعلِّقٌ بتنفقون، وتنفقون فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل في {تَيَمَّموا} أي: لا تقصدوا الخبيث منفقين منه، قالوا: وهي حالٌ مقدَّرة، لأن الإنفاق منه يعق بعد القصد إليه، قاله أبو البقاء وغيره.
والثاني: أنها حالٌ من الخبيث؛ لأن في الجملة ضميرًا يعود إليه، أي: لا تقصدوا منفقًا منه.
والثالث: أنه مستأنف منه ابتداء إخبار بذلك، وتمَّ الكلام عند قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث} ثم ابتدأ خبرًا آخر، فقال: تنفقون منه، وأنتم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم، كأن هذا عتابٌ للناس، وتقريعٌ.
والتقدير: تنفقون مع أنكم لستم بآخذيه إلا مع الإغماض، فهو استفهامٌ على سبيل الإنكار. قال شهاب الدِّين: وهذا يردُّه المعنى.
قوله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} هذه الجملة فيها قولان:
أحدهما: أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب، وإليه ذهب أبو البقاء.
والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال، ويظهر هذا ظهورًا قويًا عند من يرى أن الكلام قد تمَّ عند قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث} وما بعده استئنافٌ، كما تقدَّم.
والهاء في {بِآخِذِيهِ} تعود على {الخَبِيث} وفيها، وفي نحوها من الضمائر المتصل باسم الفاعل؛ قولان مشهوران:
أحدهما: أنها في محلِّ جر، وإن كان محلُّها منصوبًا؛ لأنها مفعولٌ في المعنى.
والثاني:- وهو رأي الأخفش- أنها في محلِّ نصبٍ، وإنما حذف التنوين، والنون في نحو: ضَارِبُنْكَ بثبوت التنوين، وقد يستدلُّ لمذهبه بقوله: الطويل:
هُمُ الفَاعِلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَهُ

وقوله الآخر: الطويل:
وَلَمْ يَرْتَفِقْ وَالنَّاسُ مُحْتَضِرُونَهُ

فقد جمع بين النون النائبة عن التنوين، وبين الضمير.
قوله: {إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ} الأصل: إلاَّ بأن، فحذف حرف الجرِّ مع أنْ فيجيء فيها القولان: أهي في محلِّ جرٍّ، أم نصب؟ وهذه الباء تتعلَّق بقوله: {بِآخذيه}. وأجاز أبو البقاء رحمه الله أن تكون أنْ وما في حيِّزها في محلِّ نصب على الحال، والعامل فيها آخِذيه. والمعنى: لَسْتُم بآخذِيه في حالٍ من الأحوال إلا في حال الإغماض، وقد تقدَّم أنَّ سيبويه رحمه الله لا يجيز أن تقع أَنْ، وما في حيِّزها موقع الحال. وقال الفراء: المعنى على الشرط والجزاء؛ لأنَّ معناه: إن أغمضتم أخذتم، ولكن لمَّا وقعت إلاَّ على أَنْ، فتحها، ومثله، {إِلاَّ أَن يَخَافَا} [البقرة: 229] {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ} [البقرة: 237]. وهذا قول مردودٌ.
والجمهور على: {تُغْمِضُوا} بضمِّ التاء، وكسر الميم مخففةً؛ من {أَغْمَض}، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه على حذف مفعوله، تقديره: تغمضوا أبصاركم، أو بصائركم.
والثاني: في معنى ما لا يتعدَّى، والمعنى إلاَّ أن تغضوا، من قولهم: أَغْضَى عنه.
وقرأ الزهريُّ: {تُغَمِّضُوا} بضم التاء، وفتح الغين، وكسر الميم مشددةً؛ ومعناها كالأولى. وروي عنه أيضًا: {تَغْمَضُوا} بفتح التاء، وسكون الغين، وفتح الميم؛ مضارع غَمِضَ بكسر الميم، وهي لغةٌ في أَغْمض الرباعي، فيكون ممَّا اتفق فيه فعل وأفعل.
وروي عن اليزيديّ: {تَغْمُضُوا} بفتح التاء، وسكون الغين، وضمِّ الميم. قال أبو البقاء رحمه الله: وهو مِنْ: يَغْمُضُ، كظرفُ يظرُفُ، أي: خَفِيَ عليكم رأيُكم فيه.
وروي عن الحسن: {تُغَمَّضُوا} بضمِّ التاء، وفتح الغين، وفتح الميم مشددةً على ما لم يسمَّ فاعله.
وقتادة كذلك، إلا أنه خفَّف الميم، والمعنى: إلاَّ أن تحملوا على التغافل عنه، والمسامحة فيه. وقال أبو البقاء رحمه الله في قراءة قتادة: ويجوزُ أن يكون مِنْ أغْمَضَ، أي: صودف على تلك الحال؛ كقولك: أَحْمَدْتُ الرجُلَ، أي: وجدته مَحْمُودًا وبه قال أبو الفتح.
وقيل فيها أيضًا: إنَّ معناها إلاَّ أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه.
والإغماض: في اللغة غضُّ البصر، وإطباق الجفن، وأصله من الغموض، وهو الخفاء، يقال: هذا كلامٌ غامضٌ أي خفي الإدراك. اهـ. بتصرف.

.تفسير الآية رقم (268):

قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما رغب سبحانه وتعالى في الإنفاق وختم آياته بما يقتضي الوعد من أصدق القائلين بالغنى والإثابة في الدارين أتبعه بما للعدو الكاذب من ضد ذلك فقال محذرًا من البخل- في جواب من كأنه قال: هذا ما لا يشك فيه فما للنفوس لا توجد غالبًا إلا شحيحة بالإنفاق-: {الشيطان} أي الذي اسمه أسوأ الأسماء، فإنه يقتضي الهلاك والبعد، وأحد الوصفين كاف في مجانبته فكيف إذا اجتمعا! {يعدكم الفقر} المانع من الإنفاق.
قال الحرالي: الذي لخوفه تقاطع أهل الدنيا وتدابروا وحرصوا وادخروا.
وكل ذلك لا يزيل الفقر، كل حريص فقير ولو ملك الدنيا، وكل مقتنع غني، ومن حق من كان عبدًا لغني أن يتحقق أنه غني يغني سيده، ففي خوف الفقر إباق العبد عن ربه؛ والفقر فقد ما إليه الحاجة في وقت من قيام المرء في ظاهره وباطنه- انتهى.
{ويأمركم بالفحشاء} المبطلة له من المن والأذى وغيرهما من مستلذات الأنفس وربما كان فيها إتلاف الأموال وإذهاب الأرواح.
وقال الحرالي: وكل ما اجتمعت عليه استقباحات العقل والشرع والطبع فهو فحشاء، وأعظم مراد بها هنا البخل الذي هو أدوأ داء، لمناسبة ذكر الفقر، وعليه ينبني شر الدنيا والآخرة ويلازمه الحرص ويتابعه الحسد ويتلاحق به الشر كله انتهى وفيه تصرف.
ولما ذكر ما للعدو من الشر أتبعه سبحانه وتعالى بما له من الخير فقال مصرحًا بما تقدم التلويح به: {والله} أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى الرحيم الودود {يعدكم مغفرة منه} لما وقع منكم من تقصير، وفيه إشعار بأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره لما له من الإحاطة بصفات الكمال ولما جبل عليه الإنسان من النقص {وفضلًا} بالزيادة في الدارين، وكل نعمة من فضل؛ ثم أكد ذلك بقوله: {والله} أي المحيط بكل كمال {واسع} لتضمنه معنى حليم غني، وأتبعه بقوله: {عليم} إشارة إلى أنه لا يضيع شيئًا وإن دق.
قال الحرالي: وفي إشعاره توهين لكيد الشيطان ووعد كريم للمفتون بخوف الفقر وعمل الفحشاء لما علمه من ضعف الأنفس وسرعة قبولها من الوسواس- انتهى.
فختم آخر آيات الأمثال بما ختم به أولها ترغيبًا وترهيبًا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما رغب الإنسان في إنفاق أجود ما يملكه حذره بعد ذلك من وسوسة الشيطان فقال: {الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر} أي يقال إن أنفقت الأجود صرت فقيرًا فلا تبال بقوله فإن الرحمن {يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلًا}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

وقدّم اسم الشيطان مسندًا إليه لأنّ تقديمه مؤذن بذمّ الحكم الذي سيق له الكلام وشؤمِه لتحذير المسلمين من هذا الحكم، كما يقال في مثال علم المعاني السَّفَّاح في دَار صديقك، ولأنّ في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي تَقَوِّيَ الحُكم وتحقيقه. اهـ.

.قال الفخر:

اختلفوا في الشيطان فقيل إبليس وقيل سائر الشياطين وقيل شياطين الجن والإنس وقيل النفس الأمارة بالسوء. اهـ.
وقال الفخر:
الوعد يستعمل في الخير والشر، قال الله تعالى: {النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} [الحج: 72] ويمكن أن يكون هذا محمولًا على التهكم، كما في قوله: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. اهـ.